الجمعة، 7 نوفمبر 2014

الشغل خارج السجن كبديل عن الحبس قصير المدة في القانون الجنائي المصري

الشغل خارج السجن 

كبديل عن الحبس قصير المدة  

في القانون الجنائي لمصري 

 من تأليف

 الدكتور رامي متولي القاضي

عضو هيئة تدريس

بقسم القانون الجنائي بكلية الشرطة


تعاني غالبية التشريعات المقارنة من مشكلة تكدس المؤسسات العقابية، بالشكل الذي أثر بالسلب على دورها التأهيلي والإصلاحي للمحكوم عليهم، ويرجع الفقه الجنائي وعلماء علم العقاب هذا التكدس في أعداد نزلاء السجون إلى المحبوسين بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة أو المحبوسين احتياطياً على ذمة القضايا المنظورة أمام القضاء، وقد حرص المشرع المصري على الأخذ بنظام بدائل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، ومن أبرز هذه البدائل عقوبة الغرامة ونظام وقف التنفيذ، وعقوبة الشغل خارج السجن، هذا بالإضافة إلى بعض التدابير المقيدة للحقوق المنصوص عليها في المادتين (118مكرراً و118 مكرراً "أ").  
ويعد الشغل خارج السجن من أبرز البدائل التي أوردها قانون العقوبات المصري، حيث عرف القانون المصري نظام الشغل خارج السجن كبديل عن عقوبة الحبس البسيط، حيث أدخلت هذه العقوبة بمقتضى القانون رقم (12) الصادر في 8/6/1912، كما عرف المشرع المصري الشغل خارج السجن كبديل عن نظام الإكراه البدني، هذا بالإضافة إلى نظام العمل للمنفعة العامة كتدبير في إطار قانون الطفل، وذلك على النحو الآتي:
(أ) الشغل خارج السجن كبديل عن عقوبة الحبس البسيط: نصت كل من المادة (18) من قانون العقوبات المصري، والمادة (479) من قانون الإجراءات الجنائيَّة المعدلتين بالقانون رقم (49) لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية والقانون رقم 396 لسنة 1956 فى شأن تنظيم السجون على نظام الشغل خارج السجن كبديل عن الحبس البسيط الذي لاتتجاوز مدته ستة أشهر، حيث نصت المادة (18/ 2) من قانون العقوبات على انه:"لكل محكوم عليه بالحبس البسيط لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أن يطلب بدلاً من تنفيذ عقوبة الحبس عليه تشغيله خارج السجن طبقاً للقيود المقررة بقانون الإجراءات الجنائية إلا إذا نص الحكم على حرمانه من هذا الخيار."، بينما تنص المادة (479) من قانون الإجراءات الجنائية: "لكل محكوم عليه بالحبس البسيط لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أن يطلب بدلاً من تنفيذ عقوبة الحبس عليه تشغيله خارج السجن وفقاً لما هو مقرر بالمواد 520 وما بعدها، وذلك ما لم ينص فى الحكم على حرمانه من هذا الخيار". ومن الجدير بالذكر أنه قبل هذا التعديل الأخير كان النصين المشار إليها يجيزا إبدال عقوبة الحبس الذي لا تتجاوز مدته عن ثلاثة أشهر فقط بالشغل خارج السجن، فجاء التعديل الأخير للتوسع في تطبيق هذا البديل للحد من مثالب عقوبة الحبس قصيرة المدة
(ب) تشغيل المحكوم عليه كبديل عن الإكراه البدني: تضمن القانون المصري على تطبيق الشغل خارج السجن كبديل للإكراه البدني باعتباره وسيلة لتحصيل الغرامة التي يمتنع المحكوم عليه عن دفعها، ويقصد بالإكراه البدني حبس المحكوم عليه بالغرامة إذا لم يكن له مال ظاهر يمكن التنفيذ عليه، وعليه فإن العمل يعتبر بديلاً عن الحبس الذي يخضع له المحكوم عليه في حالة عدم الوفاء بالغرامة أو المصاريف وما يجب رده والتعويضات، وهو أمر اختياري للمحكوم عليه، له الحق في طلبه قبل أن تصدر النيابة الأمر بالإكراه البدني.
القواعد المنظمة لتشغيل المحكوم عليهم: وردت القواعد المنظمة لإجراء العمل كبديل عن عقوبة الحبس في المواد (520-523) من قانون الإجراءات الجنائيَّة، وذلك على النحو الآتي:
(1) طلب التشغيل من النيابة العامّة: أجاز القانون للمحكوم عليه أن يطلب في أي وقت من النيابة العامّة – باعتباره الجهة المشرفة على التنفيذ العقابي- قبل صدور الأمر بالإكراه البدني استبداله بعمل يدوى أو صناعي يقوم به (م520 إجراءات جنائية).  
(2) تحديد الأعمال محل نظام تشغيل المحكوم عليه: يكون تشغيل المحكوم عليه في هذا العمل بلا مقابل لإحدى جهات الحكومة أو البلديات مدة من الزمن مساوية لمدة الإكراه التي كان يجب التنفيذ عليه بها. وتجدر الإشارة إلى أن القانون المصري لم يشر إلى تحديد الأعمال محل عقوبة تشغيل المحكوم عليهم، إلا أن المادة (521) إجراءات جنائية أشارت إلى أن يتم تعيين أنواع الأعمال التي يجوز تشغيل المحكوم عليه فيها، والجهات الإدارية التي تُقرر هذه الأعمال، يكون بقرار من الوزير المختص. 
ومن الجدير بالذكر أن القرار الوزاري رقم (117) لسنة 1970 الخاص بتحديد الأعمال التي يجوز تشغيل المحكوم عليه بالإكراه البدني فيها بالمصالح الحكومية كان قد حدد في مادته الأولى الأعمال التي يجوز تشغيل المحكوم عليه من غير العسكريين وأفراد هيئة الشرطة بالإكراه البدني فيها، وهي أعمال النظافة ونقل الأدوات والأعمال الحرفية والزراعات البسيطة، بينما حدد القرار الوزاري المشار إليه الأعمال التي يجوز  تشغيل المحكوم عليه من العسكريين وأفراد هيئة الشرطة بالإكراه البدني فيها، وهي أعمال الدوريات وخدمة المراسلات والبوستة والخدمات الطارئة، والحراسات الثابتة وخدمة الطوارئ، على أن يحدد مأمور المركز أو القسم أو نائبه الأعمال التي تسند إلى المحكوم عليه وفترة تشغيله وفقاً لظروفه ولطبيعة العمل ومقتضياته في دائرة المركز أو القسم التابع له المحكوم عليه.
وكان القرار الوزاري المشار إليه قد حدد أوقات تشغيل المحكوم عليهم في الفترات التالية من الساعة 6 صباحاً إلى الساعة 12 ظهراً (صيفاً)، ومن الساعة 7 صباحاً إلى الساعة 1 مساءً (شتاءً)، أو من الساعة 12 ظهراً إلى الساعة 6 مساءً (صيفاً) ومن الساعة 1 مساءً إلى الساعة 7 مساءً (شتاءً).
وفي إطار حرص وزارة الداخلية على تفعيل عقوبة الشغل خارج السجن، فقد شكل السيد وزير الداخلية لجنة لدراسة تعديل القرار رقم (117) لسنة 1970، حيث عُدل القرار المشار إليه بالقرار الوزاري رقم (1270) لسنة 2013 الخاص بالأعمال التي يجوز تشغيل المحكوم عليه بالإكراه البدني فيها، والذي تضمن توسعاً في نطاق الأعمال التي يجوز تشغيل المحكوم عليهم من غير العسكريين أو أعضاء هيئة الشرطة بالإكراه البدني بالمصالح والهيئات الحكومية أو المحافظات أو الوحدات المحلية في الأعمال التي كان يشتغل بها قبل الحكم عليه، أو طبقاً لمؤهلاته الدراسية، أو الحرف المهنية التي يجيدها، أو في أحد مراكز التدريب المهنية لمن لا يحمل مؤهل دراسي ولا يجيد حرفة مهنية وذلك تحت إشراف الجهات التي سيشتغل بها.
أما بالنسبة للعسكريين وأفراد هيئة الشرطة، فقد تضمن القرار المشار إليه جواز تشغيلهم في أي من أعمال الدوريات، أو خدمات البوستة، أو الخدمات الطارئة، أو الحراسات الثابتة، أو الأعمال الإدارية، على أن يحدد مأمور المركز أو القسم أو نائبه هذه الأعمال، وأن يتم إثبات ذلك بدفتر يعد لهذا الغرض.
ومن الجدير بالذكر التنويه بأن إعمال مبدأ قضائية العقوبة في إطار عقوبة الشغل خارج السجن، - والمتمثل في أن يكون تحديد العقوبة والحكم بها بمعرفة قاضي جنائي يتوافر لديه كافة الضمانات التي يقررها القانون في هذا الشأن-، يتطلب أن يتم تحديد الأعمال محل الشغل خارج السجن بقرار من النيابة العامة بالتنسيق مع الجهات المشرفة على التنفيذ، على أن يتم تحديد هذه الأعمال وبيان كيفية تنفيذها والجهات المشرفة على التنفيذ في قرار النيابة العامة الصادر بتنفيذ عقوبة الشغل خارج السجن، مع تكليف هذه الجهات بضرورة إخطار النيابة العامة بتقرير حول تنفيذ العقوبة ومدى استجابة المحكوم عليه لهذا التنفيذ.
(3) القيود القانونية الواردة على نظام تشغيل المحكوم عليه: وضع القانون المصري قيوداً على تنفيذ عقوبة تشغيل المحكوم عليه، وتتمثل هذه القيود في عدم جواز تشغيل المحكوم عليه خارج المدينة الساكن بها أو المركز التابع له، فضلاً عن ضرورة مراعاة أن يكون الشخص قادراً على إتمام العمل الذي يفرض عليه يومياً في ظرف ست ساعات بحسب بنيته (م521 إجراءات جنائية). 
(4) الآثار المترتبة على الإخلال بنظام تشغيل المحكوم عليه: أشار القانون المصري إلى الآثار القانونية المترتبة على الإخلال بقواعد نظام تشغيل المحكوم عليه، وهي التنفيذ عليه بالإكراه البدني بالسجن، حيث أشارت المادة (522) إجراءات جنائية إلى أنه:"وإذا لم يحضر المحكوم عليه إلى المحل المعد لشغله، أو تغيب عن شغله، أو لم يتم العمل المفروض عليه تأديته يومياً، بلا عذر تراه جهات الإدارة مقبولاً، يرسل إلى السجن للتنفيذ عليه بالإكراه البدني الذي كان يستحق التنفيذ به عليه، ويخصم له من مدته الأيام التي يكون قد أتم فيها ما فرض عليه تأديته من الأعمال. ويجب التنفيذ بالإكراه البدني على المحكوم عليه إذا لم يوجد عمل يكون من وراء شغله فيه فائدة". 
(5) تقدير قيمة تشغيل المحكوم عليه: أشارت المادة (523) من قانون الإجراءات الجنائيَّة على أنه:" ويستنزل من المبالغ المستحقة للحكومة من الغرامة وما يجب رده والتعويضات والمصاريف مقابل شغل المحكوم باعتبار خمسة جنيهات عن كل يوم". وقد أشار جانب من الفقه الجنائي إلى أن تنفيذ الإكراه بالشغل يمثل ميزة على التنفيذ بالسجن، لأنه عند تنفيذ الإكراه البدني في السجن لا تستنزل منه إلا الغرامة دون المبالغ الأخرى، ويبرر ذلك بأن هذه الميزة مقصود بها تشجيع المحكوم عليه على طلب تنفيذ الإكراه البدني بالشغل وأنها أجدى للدولة وأقل كلفة من جانب، وتجنب المحكوم عليه مساوئ الاختلاط من جانب آخر. 
(ج) تدبير العمل للمنفعة العامّة في قانون الطفل المصري: تضمن قانون الطفل المصري رقم (12) لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم (126) لسنة 2008 النص على العمل للمنفعة العامّة كأحد التدابير التربوية التي تضمنتها المادة (101) من قانون الطفل، والتي تضمنت التدابير التي يجوز لقاضي محكمة الطفل الحكم بها على الطفل الذي لم تجاوز سنه خمس عشرة سنة ميلادية كاملة، وذلك في حالة ارتكابه جريمة، ومن التدابير الواردة في هذه المادة: (1- التوبيخ. 2- التسليم. 3- الإلحاق بالتدبير المهني. 4- الإلزام بواجبات معينة. 5- الاختبار القضائي. 6- العمل للمنفعة العامّة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، وتحدد اللائحة التنفيذية أنواع هذا العمل وضوابطها. 7- الإيداع في أحد المستشفيات المتخصصة. 8- الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعيّة). وتجدر الإشارة إلى أن قانون الطفل قد تطلب في العمل للمنفعة العامّة أن يكون بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته، على أن تحدد اللائحة التنفيذية للقانون أنواع هذا العمل وضوابطها. 
وقد نظمت اللائحة التنفيذية لقانون الطفل أحكام العمل للمنفعة العامة في المادتين رقمي (182و183) من اللائحة المذكورة، حيث نصت المادة (182) من اللائحة المذكورة على أنه:" يكون تدبير العمل للمنفعة العامة المنصوص عليه في البند (6) من المادة (101) من القانون بتكليف الأطفال بالقيام بأحد الأعمال التي تفيد المُجتمع وتعزز في نفسه الإحساس بالانتماء إليه والمسئولية عما اقترفه، وبمايطور من شخصيته، ويحافظ  على كرامته، ولا يرهقه بدنياً أو يضره نفسياً،  كالعمل فى المكتبات العامة بكافة أنواعها القريبة إلى محل إقامته ودور رعاية الأشخاص ذوو الإعاقة والمسنين والعجائز والأيتام والمدارس والحضانات وأعمال النظافة والتجميل للأماكن العامة، وغيرها من الأعمال المماثلة، وذلك للمدة التي تحددها المحكمة. ويراعى في التكليف بأي من هذه الأعمال الضوابط الآتية:
(أ) أن يكون العمل ذا فائدة للمجتمع بمستوياته المختلفة.
(ب) ألا يكون فيه ما يمس كرامة الطفل أو الإضرار بحالته النفسية.
(ج) ألا يكون العمل ضارا بصحة الطفل البدنية والنفسية.
(د) أن يعزز في نفس الطفل احترام النفس وروح الانتماء. وفى جميع الأحوال يجب مراعاة مصلحة الطفل الفضلى"، بينما نصت المادة (183) من اللائحة المذكورة على أنه:" يجب تقديم  تقرير اجتماعي يتفق والنموذج المعتمد من الجهة المعنية بوزارة  التضامن الاجتماعيّ لكل طفل  يعرض على محكمة الطفل يتضمن الآتي :- (1) فحصاً كاملاً ودقيقاً لحالته الطفل التعليمية والنفسية والعقلية والبدنية والاجتماعيّة، ويجب أن يكون هذا التقرير مرتكزاً على دراسة ميدانية جدية لواقع بيئة الطفل وأسرته، على نحو يكفل الوقوف على الأسباب الحقيقية لتعرضه للخطر أو لما أصاب سلوكه من جنوح، ولتحديد مقتضيات إصلاحه. (2) التدبير المقترح الملائم لحالة الطفل المعرض للخطر ومبرراته. في حالة اقتراح أياً من تدابير العمل للمنفعة العامة أو الإلزام بواجبات معينة أو التدريب المهني يجب أن يتضمن التقرير التفاصيل الآتية: (أ) الأماكن المقترح التنفيذ فيها والإطار الزمني للتنفيذ. (ب) آليات متابعة التنفيذ".
تقدير موقف المشرع المصري: على الرغم من أن المشرع المصري يعرف تطبيق الشغل خارج السجن كبديل عن الحبس قصير المدة أو كبديل عن الإكراه البدني، إلا أن جانب من الفقه الجنائي يرى أن هذه الصورة من العمل للمنفعة العامّة لا تتناسب البتة مع التطورات التي وصل إليها نظام العمل للمنفعة العامّة في التشريعات المقارنة. فالمشرع المصري لم يواكب التطورات التشريعية التي واكبت نظام العمل للمنفعة العامّة من خلال اعتباره كبديل عن عقوبة الحبس قصير المدة، فمن ناحية نرى أهمية توجيه نظر المشرع المصري نحو التوسع في تطبيق نظام العمل للمنفعة العامّة – على غرار القانون الفرنسيّ- من خلال النص على جواز استبدال عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته عن سنة واحدة بعقوبة العمل للمنفعة العامّة، مع ضرورة وضع قواعد تشريعية لتنظيم هذه العقوبة على غرار القانون الفرنسيّ. 
ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل نرى إمكانية استبدال تنفيذ المحكوم عليه لجزء من عقوبته السالبة للحرية بالسجن بأداء عمل للمنفعة العامة في ورش خارجية تتبع لقطاع مصلحة السجون، وتخضع لإشراف النيابة العامة، حيث يتقاضى المحكوم عليه فيها نظير عمله نصف الأجر المقرر، وذلك كمرحلة وسطى بين سلب الحرية وتقييد حريته من خلال نظام الإفراج الشرطي؛ شريطة أن يكون المحكوم عليه حسن السير والسلوك، مع ضرورة وضع القواعد التشريعية واللائحية المنظمة لذلك.
ولاشك في أن تطبيق هاتين الصورتين من العمل للمنفعة العامة، سواء في ورش خارجية لقطاع السجون بالنسبة للمحكوم عليهم أو كبديل عن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، من شأنه معاونة المحكوم عليه على إعادة إدماجه في المُجتمع، فضلاً عن تخفيض أعداد المسجونين بالمؤسسات العقابية، ودعم الإنتاج القومي للدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق