من الإهمال إلى الشبهات الجنائية لغز الحرائق.. من الجانى؟! نقلاً عن كتابات الدكتور رامي القاضي
الأسواق العشوائية .. «بؤر» سريعة الاشتعال
◀ تحقيق: سـيد صــالح
تجارة الرصيف
وبشكل عام، انتشرت فى الشوارع المصرية وفقا لدراسة أعدها الدكتور رامى متولى القاضى مدرس القانون الجنائى بكية الشرطة- ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية فى غالبية المحافظات منذ فترة ليست ببعيدة. فبعد أن كانت الأسواق هى المتنفس الطبيعى لحركة البيع والشراء وتداول السلع، وتقدم خدمة لجمهور المستهلكين لشراء احتياجاتهم، إلا أنه خلال الآونة الأخيرة انتشرت الأسواق العشوائية بالشوارع والميادين ومحطات السكك الحديدية بكل محافظات الجمهورية. فمن ناحية تؤثر هذه الظاهرة بشكل كبير على الحركة المرورية من خلال إشغال هؤلاء الباعة الجائلين للطرق بالشكل الذى بات فيه من الصعب فى بعض المناطق مرور الأشخاص بسياراتهم بل وفى بعض الأحيان تُغلق بعض الطرق ولايمكن المرور فيها بسبب هؤلاء الباعة.
أسباب عديدة
يمكن إرجاع تفشى ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق غير الرسمية إلى عدد من العوامل الأساسية، من أبرزها غياب سلطات الدولة ، وعدم قيامها بدورها الرقابي، حيث ينتشر الباعة الجائلون والأسواق غير الرسمية فى مناطق التجمعات والمناطق التجارية، خاصةً فى المناطق التجارية والشعبية، والتى يندر فيها وجود موظفى الدولة العاملين بالإدارة المحلية، وفى حالة غياب الوجود الأمنى المُتمثل فى شرطة المرافق، وغير ذلك من مُفتشى الصحة والتموين ، فضلا عن عدم تطبيق القانون وضعف العقوبات المُقررة وبطء إجراءات التقاضى، حيث يرجع انتشار الظاهرة محل النقاش إلى تقصير القائمين على أعمال الضبط فى تطبيق القوانين واللوائح بكل حسم ضد هؤلاء المُخالفين، بالإضافة إلى أن تلك المُخالفات غالباً ما تكون مُعاقبا عليها بعقوبة الغرامة، وهو ماقد لا يحقق الردع بصورتيه العامة والخاصة، كذلك ارتفاع تكلفة النشاط الرسمى: حيث يعانى الشباب الراغب فى الحصول على فرصة عمل من صعوبات إدارية، تتمثل فى الحصول على تراخيص قانونية وموافقات إدارية، الأمر الذى يشكل بالنسبة لهم صعوبات ومُعوقات مادية، مماقد يدفعهم للعمل كبائع مُتجول دون الحصول على مثل هذه التراخيص، يضاف إلى ذلك، العوامل الاجتماعية والبيئية التى تساعد فى انتشار ظاهرة الباعة الجائلين، ومن أبرزها الأمية والفقر وغياب احترام القانون، و ارتفاع مُعدلات البطالة.
تداعيات سلبية
والحال كذلك، فإن لتلك الأسواق العشوائية تداعيات أمنية كارتفاع مُعدلات الجرائم الجنائية حيث ترتبط ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية بارتفاع مُعدلات الجرائم الجنائية، ومن أبرزها جرائم مُخالفة قوانين الباعة الجائلين وتنظيم إشغال الطريق العام ولوائح الصحة العامة، إلى غير ذلك من القوانين واللوائح المُنظمة للصحة والسكينة العامة والنظام العام.
من جهة أخرى، تترتب على ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية زيادة مُعدلات جرائم العنف والمُشاجرات التى تتم بين هؤلاء الباعة وغيرهم من الباعة أو أصحاب المحال التجارية أو المواطنين. ومن ناحية ثالثة، زادت مُعدلات جرائم مُقاومة السلطات والاعتداء على مأمورى الضبط القضائى، بسبب قيام هؤلاء الباعة الجائلين بالاعتداء على موظفى الأحياء، ومُفتشى التموين والصحة فى أثناء مباشرتهم عملهم فى ضبط المُخالفات التى تدخل فى اختصاصهم، وكذلك إعاقة وتعطيل حركة المرور، حيث تؤثر الأسواق العشوائية بشكل سلبى على الحركة المرورية، وفى بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى وقف حركة المرور كلياً فى بعض الشوارع الجانبية والرئيسية، بسبب افتراش الباعة الجائلين فى هذه الشوارع والميادين العمومية التى تربط أنحاء المدن، بالشكل الذى قد يبطئ بشكل كبير حركة المُجتمع من خلال إطالة الفترات الزمنية لتحركات المواطنين ورحلاتهم، وبالتالى تعطيل العديد من مصالحهم. ولاشك فى تأثيرات تعطيل حركة المرور على الأداء العام لأجهزة الدولة وعجلة الانتاج، وتأثير ذلك سلبياً على حركة السياحة. ولاشك أن خلو الشوارع والميادين المصرية من الباعة الجائلين من شأنه تيسير الحركة المرورية وتحقيق سيولتها بالشكل الذى يحقق رضاء المواطنين بالخدمات التى تقدمها الدولة. ومن الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، فإن للأسواق العشوائية تداعيات سلبيية مثل شيوع الفوضى وتدنى الذوق العام، وضعف الرقابة الاجتماعية من جانب أجهزة الدولة على هذه الأسواق، و الإضرار بحقوق المُستهلكين، نظراًً لاضطرارهم للشراء من مثل هذه الأسواق العشوائية ومن الباعة الجائلين فيها، دون وجود أدنى ضوابط رقابية أو مُتابعة من جانب أجهزة الدولة المُختصة ، إلى جانب تلوث البيئة والإضرار بالصحة العامة.
حلول مطروحة
ولمواجهة تلك الظاهرة، يقترح الدكتور رامى القاضى العديد من الإجراءات، فمن الناحية الأمنية ينبغى تفعيل الدور الأمنى من خلال تكثيف ومداومة الحملات التفتيشية على مواقع الأسواق العشوائية من قوات شرطة المرافق، والتموين، والمرور، والنقل والمواصلات، بالتنسيق مع المحافظات، والأحياء، ووزارة النقل (هيئة السكك الحديدية، وهيئة النقل العام، والهيئة العامة لمترو الأنفاق)، وإزالة الإشغالات القائمة بالطريق العام، وتعيين الخدمات الأمنية اللازمة من قوات الشرطة فى مواقع الأسواق العشوائية، للحد من عودة هؤلاء الباعة الجائلين لهذه المناطق مرة أخرى، حيث غالباًً ما يعود الباعة الجائلون مرة أخرى، فور انصراف القوات الأمنية وانتهاء أعمال الحملات الأمنية، والاستعانة بالتقنيات الحديثة ككاميرات المراقبة لمعاونة رجال الأمن فى ملاحظة الحالة الأمنية وضبط المخالفين، وإثبات تلك المُخالفات وعرضها على النيابات المُختصة لسرعة الفصل فى هذه المُخالفات، واتخاذ الإجراءات اللازمة والسريعة لاستغلال مناطق الأسواق العشوائية فى مشروعات خدمية لأهالى هذه المناطق (كإنشاء حدائق عامة أو مُجمعات للخدمات أو أماكن جراجات).. وكذلك إنشاء مواقع بديلة لتسكين هؤلاء الباعة الجائلين فى أماكن مُحددة يعرضون فيها بضائعهم، ويخضعون فى ذلك لرقابة وإشراف الأجهزة المُختصة ، وتوعية قوات الشرطة خاصة العاملين فى مجال شرطة المرافق بضرورة تطبيق القانون فى إطار مراعاة الاعتبارات الإنسانية، فلا نجد أن تنفيذ حملات رفع الإشغالات يُمثل أى شكل من أشكال التعدى على المواطنين وإهانتهم وإتلاف مُمتلكاتهم، فرجل الشرطة مسئول عن تطبيق القانون، وهؤلاء قد يكونو خارجين على القانون، ولكن التعامل الشرطى غير الإنسانى فى بعض الأحيان، قد يجعل هؤلاء يكتسبون تعاطف المواطنين، ويظهر رجل الشرطة فى وضع سيئ باعتباره شخصا قاسيا لايراعى الجوانب الإنسانية فى عمله.
وينبغى تبنى خطة إعلامية أمنية لتعريف المواطنين بدور جهاز الشرطة بأجهزته المُختلفة والتى تعمل فى مجال مواجهة ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية، وخاصة رجال شرطة المرافق وشرطة التموين والمرور، وإيضاح طبيعة عمل الشرطة فى هذا المجال، وأهمية دورها فى تحقيق الأمن وانضباط الشارع المصرى عن طريق ضبط المُخالفين من الباعة الجائلين وتيسير الحركة المرورية للسيارات والأفراد، وحماية أرواح المواطنين والحفاظ على الصحة العامة لهم ، كما تتطلب مواجهة ظاهرة الباعة الجائلين والأسواق العشوائية ضرورة تضافر كل جهود الأجهزة الحكومية وغير الحكومية للعمل على تحديد السبل المُناسبة لعلاج هذه المُشكلة الاجتماعية، حيث إن المُعالجة الأمنية فى هذا الشأن لن تحقق المواجهة الفاعلة، وعلى الدولة أن تعمل جاهدة على مُساعدة هؤلاء الباعة الجائلين الذين يسعون بالفعل من أجل الحصول على مورد رزق، من خلال خطة شاملة للإسراع فى تنفيذ الخطة القومية لإعادة تنظيم الأسواق العشوائية فى مصر، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدنى والإعلام فى التوعية بخطورة هذه الظاهرة، ووضع السبل والبرامج المناسبة لمنعها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق