رجعية القانون الأصلح للمتهم فى قضاء المحكمة الدستورية العليا
من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه وإن كان مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد السلطة التشريعية إعمالاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وصونًا للحرية الشخصية بما يرد كل عدوان عليها، إلا أن هذا المبدأ لا يعمل منفردًا، بل تكمله وتقوم إلى جانبه قاعدة أخرى؛ هي رجعية القانون الأصلح للمتهم، وهي قاعدة مؤداها إفادته من النصوص التي تمحو عن الفعل صفته الإجرامية، أو تنزل بالعقوبة المفروضة؛ جزاءً على ارتكابه إلى ما دونها، وهو ما قررته المادة (5) من قانون العقوبات التي تقضي بأن يعاقب على الجرائم بمقتضى القوانين المعمول بها وقت ارتكابها، ومع ذلك إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائيًّا، قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره ......... متى كان ذلك، وكان مؤدى رجعية النصوص العقابية الأصلح للمتهم هو سريانها بأثر رجعي - ومنذ صدورها - على الجريمة التي ارتكبها من قبل، وذلك لانتفاء الفائدة الاجتماعية التي كان يرجى بلوغها من وراء تقرير العقوبة وتوقيعها عليه.
ولئن كان الدستور لا يتضمن بين أحكامه مبدأ رجعية القوانين الأصلح للمتهم، إلا أن القاعدة التي يرتكز عليها هذا المبدأ، تفرضها المادة (41) من الدستور - دستور 1971 - وتقابلها المادة (54) من دستور 2014، التي تقرر أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وأنها مصونة لا تمس.
ذلك أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وما اتصل به من عدم جواز تقرير رجعية النصوص العقابية، غايته حماية الحرية الفردية وصونها من العدوان عليها، في إطار من الموازنة بين موجباتها من ناحية، وما يعتبر لازمًا لحماية مصلحة الجماعة والتحوط لنظامها العام من ناحية أخرى، وفي إطار هذه الموازنة وعلى ضوئها، تكون رجعية القوانين الأصلح للمتهم ضرورة حتمية، يقتضيها صون الحرية الفردية، بما يرد عنها كل قيد غدا تقريره مفتقرًا إلى أية مصلحة اجتماعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق